recent
أخبار ساخنة

"نداء الظلال: حكاية فتاة وحيدة أطلقت كيانًا غامضًا من الغابة، ليصبح قدرها مرتبطًا بالظلام الأبدي."

 


عناق الظلال

: البداية

في قرية منسية عند أطراف الزمن، حيث تهمس الغابات أسرارًا أقدم من النجوم، كانت تعيش فتاة تدعى إيليارا في منزل متصدع على حافة الغابة. كانت الحكايات عن الظلال التي تسكن الغابة منتشرة بين سكان القرية، لكن إيليارا كانت تضحك عليها. فالحياة لم تعطها سببًا للخوف من شيء آخر.

كانت إيليارا وحيدة. عائلتها، التي أودى بها المرض واحدًا تلو الآخر، تركتها خلفهم تواجه أصداء ضحكاتهم التي لم تعد تُسمع في أرجاء المنزل. أيامها كانت تمضي بين صفحات الكتب القديمة، ولياليها كانت مليئة بصوت همسات الغابة الغامضة.

في إحدى الأمسيات، وبينما الشمس تغرق في الأفق، والسماء تتحول إلى لوحة من السواد، دقّ الباب فجأة. فتحت إيليارا الباب، لكن لم يكن هناك أحد. فقط الرياح، تحمل معها رائحة الأرض الرطبة وشيئًا من العفن.

في تلك الليلة، سمعت صوتًا لأول مرة. صوتًا ناعمًا، كهمسة قادمة من عالم بعيد، ينادي باسمها.


: الصوت

"إيليارا"، همس الصوت، خافتًا ومتقطعًا،
كأن الرياح تحمل معه صدى الأرواح.
لكن قلبها ارتجف، رغم غرابتها،
شعور بالخوف تسلل إلى أعماقها.

"من يناديني؟" تساءلت بصوت متردد،
لكن الصمت كان الجواب الوحيد.
ومع ذلك، بقيت الكلمات تدور،
كالريح في ذهنٍ لا يعرف الهدوء.

حاولت أن تقنع نفسها بأن ما تسمعه مجرد وهم. لكنها مع مرور الأيام، عاد الصوت، متزايدًا في الحدة والقرب.


: اللقاء

في إحدى الليالي التي استعصى فيها النوم عليها، جلست إيليارا أمام المرآة. راحت تتأمل وجهها في الزجاج، وكأنها تبحث عن إجابة في أعماق انعكاسها.

"لماذا تبدين حزينة؟" لم يأتِ الصوت من خلفها هذه المرة. بل كان في عقلها مباشرة.

تجمدت في مكانها، وأصابعها ترتجف. "من أنت؟"

"أنا صديقتك"، أجاب الصوت، بنغمة دافئة مطمئنة. "أنتِ وحيدة، أليس كذلك؟ أنا هنا لأملأ فراغك."

ضحكت إيليارا، لكنها كانت ضحكة محملة بالتوتر. "أنتَ مجرد وهم."

"أوه، وهل الوهم يجعل قلبك ينبض بهذه القوة؟" ساد الصمت للحظة، ثم عاد الصوت، أقرب وأكثر قوة. "لقد دعوتني، إيليارا. لقد فتحتِ الباب."


: الوعد

"سأكون صديقًا وفيًا ومخلصًا،
ظلاً يقف بجانبك دائمًا.
سأخفف أوجاعك، أمحو مخاوفك،
فقط دعيني أكون جزءًا منك."

"لكن الظلال تحمل أثمانًا،
حقائق غامضة وحدودًا لا تُمس.
هل ستقبلين بما سيأتي،
حين يصبح النور ذكرى ماضية؟"


: الاتفاق

دون أن تدرك تمامًا لماذا، أجابت إيليارا: "نعم." ربما كان ذلك بدافع اليأس، أو بسبب السحر الذي تكمن فيه نبرة الصوت الواعدة.

منذ تلك الليلة، أصبح الصوت رفيقها الدائم. حكى لها القصص، وكشف لها أسرارًا عن الغابة وأهل القرية الذين يخافونها. كان يواسيها في ليالي الكوابيس، رغم أن همساته كانت غالبًا مصدر تلك الأحلام.

لكن مع مرور الأسابيع، بدأت الحدود بينها وبين الصوت تتلاشى. لم يعد ينتظر أن تتحدث إليه، بل كان يخترق أفكارها دون إذن، يدفعها لفعل ما لم تفكر به من قبل.

وفي ليلة مظلمة، طلب منها الذهاب إلى الغابة. "هناك شيء أريد أن أريكِ إياه"، قال الصوت بنبرة تنضح بالإثارة.


: الغابة

"تحت أغصان حيث الظلال تسكن،
وحيث يغيب النجوم في بحر السكون،
طريق ينتظرك، مصير مجهول،
حيث زُرعت بذور الظلام العتيق."

"تعالي، وانظري ما يختبئ،
بين همسات الموتى والرياح.
هدية أحملها، عهد سنُبرمه،
حقيقة لن يكشفها النور أبدًا."


: الكشف

سارت إيليارا بخطى مترددة، حاملة فانوسًا يُلقي هالة ضعيفة من الضوء على أرض الغابة. بدت الأشجار وكأنها أحياء، أغصانها تمتد كالأصابع الهزيلة نحو السماء.

"إلى أين تأخذني؟" سألت، وصوتها يرتجف.

"ستعلمين قريبًا"، أجاب الصوت، وكان في نبرته شيء من الضحك المكتوم.

وصلت إلى فسحة في الغابة، حيث تسقط أشعة القمر الخافتة كخيوط فضية. في وسط الفسحة، وقفت شجرة قديمة، جذورها ملتفة كالعروق حول حجر مذبح متصدع.

"ضعي يدك على الحجر"، أمرها الصوت.

ترددت لوهلة، لكنها أطاعت.

بدأت الأرض تهتز، وانفجرت الظلال من تحتها كدوامة من العتمة. ومن وسطها، بدأ يتشكل كيان غريب، طويل القامة بلا ملامح، حضوره خانق ومهيب.

"لقد أطلقتِ سراحي"، قال، ولم يكن صوته ناعمًا بعد الآن، بل خليطًا من صرخات الأرواح.

"ما أنت؟" همست إيليارا، وهي تتراجع بخوف.

"أنا ظلك"، أجاب. "أنا الفراغ الذي حاولتِ ملأه. والآن، أنا حر."


: السقوط

"تم الاتفاق، والعهد قد كُتب،
والآن نورك يبدأ بالذبول.
فالظلال تعيش على الخوف،
حكاية تُكتب بالبرد والدماء."

"لقد أعطيتِني شكلاً ونفسًا،
والآن أعطيكِ موتًا لا ينتهي.
ليس موت الجسد، بل الروح،
سجن مظلم، أبدًا لن تتحرري."


: التحول

حاولت إيليارا الهروب، لكن الظلال طاردتها، تغطي الأرض تحت قدميها. تسلقت ساقيها، ثم جذعها، حتى غلفتها بالكامل بقبضتها الجليدية.

"لا يمكنكِ الهروب مما أنتِ عليه"، قال الظل، لكن صوته كان هذه المرة يخرج من فمها.

صرخت، لكن الصوت لم يصل. أصبح كل شيء مظلمًا. وحين فتحت عينيها، كانت في منزلها، لكن كل شيء كان مختلفًا. الهواء أثقل، الضوء أضعف.

اختفى الصوت، لكن حضوره كان أكثر وضوحًا. وفي المرآة، كانت ترى انعكاسًا غريبًا لعينيها، تتوهج بخفوت غريب، وكأن الظلال تسكن فيهما.


: اللعنة

"وها أنتِ الآن، ضائعة ومقيدة،
روح مقيدة بظل أبدي.
لا نور يستطيع أن يخترق ستارك،
ولا صوت يرتفع فوق صدى خوفك."

"لقد أصبحتِ الليل، الأنين اللامتناهي،
شكلاً شبحياً، حكاية حزن.
وحين يأتون ليبحثوا عن وجهك،
سيجدون فقط نعمة الظلال."


في النهاية 

أصبح سكان القرية يتحدثون عن شبح فتاة تظهر في الغابة، عيناها تتوهجان في الظلام وهمساتها تخاطب الأشجار. يحذرون أطفالهم من الاقتراب، لأن الغابة أصبحت ملعونة، ومن يدخلها لا يعود أبدًا.

لكن إيليارا لم تعد هناك. لم تعد بشريًا. أصبحت شيئًا آخر. ظلًا، همسة، جزءًا من الظلام الذي يراقب العالم من بعيد.

وفي ليالي السكون، إذا أصغيت جيدًا، قد تسمع صوتها، ناعمًا كحرير، ينادي باسمك.

Popup

",
تمرير لأعلى وأسفل
google-playkhamsatmostaqltradent