recent
أخبار ساخنة

احلام البقاء والحب والامل

 



كانت المدينة التي عاش فيها سليم مليئة بالضجيج والحركة، لكنها كانت تفتقر إلى شيءٍ ما. شيءٍ ناعم غير مرئي، يخلع على الحياة بهجة. سليم، الشاب الذي اعتاد أن يسير في الشوارع المزدحمة، مشغولًا بأفكاره وهمومه، كان يشعر أحيانًا بالوحدة رغم وجوده وسط الحشود. كان يحمل في قلبه حلمًا بعيدًا، حلمًا بأن يجد الحب الذي يعيده إلى نفسه، الذي يعيده إلى الفرح المفقود.


في يوم من الأيام، بينما كان يسير في أحد المقاهي الصغيرة في الزاوية، التقت عيناه بعينيها. كانت هناك، جالسة وحدها، ممسكة بكوب من القهوة، تنظر إلى النافذة كما لو أنها تبحث عن شيءٍ بعيد في الأفق. شعر سليم بشيء غريب، شيءٌ لم يشعر به من قبل، قلبه ينبض بسرعة، وكأنما الزمن توقف لحظة. لم يكن يعلم إذا كانت هي أيضًا قد شعرت بنفس الشعور، لكن عينيها قد لمحت فيهما شيئًا عميقًا، شيئًا دفعه للتفكير.


كانت تدعى ريم، فتاة في مقتبل العمر، مليئة بالحياة، لكن عيناها كانتا تخفيان شيئًا من الحزن، كما لو أنها تحمل في قلبها سرًا. كانت ريم تعمل كرسامة في إحدى معارض الفن، وكانت تجد في اللوحات سحرًا يعيد لها ما فقدته من سلام داخلي. ومع ذلك، كانت تفتقد شيئًا في حياتها، لا تعرف ما هو تمامًا، لكنها كانت تشعر به في كل لحظة.


سليم لم يتردد في اتخاذ خطوة صغيرة، فاقترب من الطاولة التي كانت تجلس عليها ريم قائلاً: "هل يمكنني أن أجلس؟". نظرت ريم إليه للحظة، ثم ابتسمت بشكل خفيف وقالت: "بالطبع". جلس سليم، بدأ الحديث بشكل طبيعي، يتحدث عن حياته اليومية، عن عمله في الصحافة، وعن مشاعره المتناقضة تجاه الحياة. ريم، التي كانت تخشى عادةً أن تنفتح على الآخرين، وجدت في حديث سليم شيئًا غير مألوف، شعرت بالراحة في حديثه، وكأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات.


ومع مرور الوقت، أصبحت اللقاءات بين سليم وريم متكررة. كانوا يلتقون في المقهي ذاته، يتناولون القهوة، ويتبادلون الحديث حول الحياة، والفن، والموسيقى، والأحلام. كلما تقابلا، كان سليم يشعر بأنه يقترب أكثر من قلب ريم، لكن هناك شيئًا كان يخيفه. كان يشعر أن هناك حاجزًا ما، حاجزًا غير مرئي، يقف بينه وبينها. كانت ريم دائمًا تبدو غامضة، وكأن هناك شيءًا لا يريد أحد أن يعرفه.


في إحدى الأمسيات، بينما كانوا يجلسون معًا تحت ضوء القمر، تحدثت ريم أخيرًا عن ماضيها. قالت: "لقد فقدت شخصًا قريبًا مني منذ سنوات، وكان ذلك سببًا في تغيّر نظرتي للحياة. كنت أعتقد أنني سأكون قوية بما يكفي لتجاوز ذلك، لكن كلما مضت الأيام، كنت أشعر أنني ما زلت عالقة في مكان ما، في ذكرياته".


تأثّر سليم بكلماتها، وأحسّ بألمها الذي كان يشبه ألمه. ولكن، في تلك اللحظة، شعر أيضًا بأنه قد يجد الطريق لفتح قلبها. قال لها بصوت هادئ: "كل منا يحمل في قلبه شيء من الماضي، لكن الحياة لا تنتظرنا، إنها تسير للأمام، ونحن يجب أن نسير معها. ربما يجب أن نكون مستعدين لنفتح قلوبنا لأشياء جديدة".


بدأت ريم تشعر بشيءٍ غريب تجاه سليم. كان هناك شيء في طريقته في الحديث، في أفعاله، يجعلها تشعر بالأمان، وكأنها تجد فيه نوعًا من الراحة التي طالما كانت تبحث عنها. ومع مرور الأيام، أدركت أن مشاعرها تجاهه كانت أكبر من مجرد إعجاب عابر. كانت تحبه، ولكنها كانت خائفة. خائفة من أن تتألم مرة أخرى، خائفة من أن تفقده كما فقدت غيره من قبل.


لكن سليم لم يكن ليتركها وحدها في هذه المعركة. كلما شعرت بالخوف، كان يكون إلى جانبها، يواسيها، يطمئنها، وفي كل مرة كانت تكتشف فيه جانبًا جديدًا من الحنان والصدق. كان يؤمن أنه، مع الوقت، يمكن للحب أن يشفى الجروح، يمكن أن يجعل الحياة أكثر إشراقًا. كان يعلم أن مشاعر ريم كانت عميقة، لكنه كان يحتاج إلى وقت ليعلمها أن الحب الحقيقي لا يعتمد على الماضي، بل على الحاضر والمستقبل.


وفي يوم من الأيام، بينما كانوا يمشيان معًا في أحد الشوارع المليئة بالأزهار، توقفت ريم فجأة وقالت: "سليم، أعتقد أنني أصبحت جاهزة الآن". نظر إليها سليم بحيرة، فقالت: "أصبحت جاهزة لأن أحبك، لأن أسمح لنفسي أن أعيش هذه اللحظة بالكامل، دون خوف".


ابتسم سليم، وكان قلبه ينبض بشدة، لكنه شعر بالسلام في تلك اللحظة. لم يكن الأمر سهلاً، لكنه كان مستعدًا لخوض هذا التحدي مع ريم. أجابها: "أنا أيضًا جاهز، وسأكون هنا دائمًا من أجلك، في كل خطوة".


ومع مرور الوقت، أصبح سليم وريم لا يفترقان. كانا معًا في كل لحظة، يتشاركان الأحلام، والأفراح، والأحزان. وكان حبهما يكبر يوماً بعد يوم، ليس فقط لأنهما كانا معًا، ولكن لأنهما تعلما كيف يحب كل منهما الآخر كما هو، بتفاصيله، بماضيه، وأحزانه، وأحلامه.


في النهاية، أصبح حبهما هو الذي يملأ الفراغات في حياتهما. أصبحا معًا كأنهما جزءان من نفس الكيان، لا يمكن لأحدهما أن يعيش دون الآخر. ومع كل صباح جديد، كانا يشعران أن الحياة تستحق أن تُعاش، وأن الحب هو أجمل ما يمكن أن يحدث في الحياة، حتى لو كانت بدايته مليئة بالتحديات.


وهكذا، استمر سليم وريم في العيش معًا، محاطين بحبٍ عميقٍ لا يمكن أن يزعزعه شيء، لأنهما تعلما أن الحب الحقيقي هو أن تجد الشخص الذي يستطيع أن يملأ فراغات قلبك وي

جعل الحياة تستحق أن تُعاش.

Popup

",
تمرير لأعلى وأسفل
google-playkhamsatmostaqltradent