recent
أخبار ساخنة

"الظل الذي لا يرحل"

 


في إحدى الليالي الهادئة، كانت البلدة الصغيرة "الخور" تعيش في سكينة ظاهرية. جميع المنازل متراصة جنبًا إلى جنب، بعضها قديم وبعضها حديث، لكن هناك منزلاً واحدًا ظل دائمًا محاطًا بالغموض، وهو منزل "آل الراشدي" الذي وقف على طرف البلدة في نهاية الشارع المهدم.

كان المنزل قديمًا، مهدمًا في بعض جوانبه، وكأن الزمن قد عفا عليه. ولكن ما جعل الناس يبتعدون عنه ليس حالته، بل السمعة التي اكتسبها من الحكايات التي تداولها الجميع. كان يُقال أن المنزل ملون بالظلال، وأنه يشع بأضواء غريبة في الليل، وأن من يقترب منه يسمع أصواتًا غير مرئية.

في الليل المظلم، حيث الأنين
يسكن الظلال، في كل ركنٍ دفين
بيتٌ قديم، أبوابه تصرخ
وفي جدرانه، تُحاك الأسرار المستتره

سامي ومروة، في عيونهم خوف
مضيئين بطموح، لكن قلبهم يشوف
كل خطوة نحو ذلك الباب الثقيل
تزداد الظلال، ويصير العتم جميل

صوتٌ في الطابق العلوي يهمس
"لن تخرجوا، هذه الأرض لكم تمس"
أبوابٌ مغلقة، والنوافذ غائمة
والروح بين جدران المكان تائهة

الظل ينقض من بين الجدران
كأن الزمان قد توقف مع الأزمان
في الصورة القديمة، العيون تغلق
أسرارٌ تنبض في كل ركنٍ قديم

يصرخ سامي، "لنذهب بعيدًا"
لكن الظلال تلاحقهم، والدموع في العين تضيء
في ذلك المنزل، ظلٌ لا يرحل
أبدًا، سيبقى، يراقب ولا يرحم

ومنذ تلك الليلة، صار المكان صامت
لكن الصوت لا يزال، في الأفق متسامت
ظلالٌ تطارد، وعينٌ لا تنام
في "الخور" تبقى الحكاية، تسكن في كل منام.

في أحد الأيام، قرر "سامي" و"مروة"، شابان في مقتبل العمر، تحدي هذه الأساطير. كانت مروة قد نشأت في البلدة، لكنها كانت دائمًا تُحذر من الاقتراب من ذلك المنزل. أما سامي، فكان دائمًا يستهزئ بتلك الحكايات، ويعتقد أن كل ما يُقال ليس أكثر من خرافات.

"لنذهب إليه"، قال سامي مبتسمًا، بينما كان يلمح خوفًا في عيني مروة.

"لن أذهب، سامي. هناك شيء غير طبيعي في ذلك المكان"، ردت مروة بنبرة مترددة.

لكن إصرار سامي كان أقوى، وأقنعها أخيرًا بالذهاب. في الساعة الحادية عشرة مساءً، ومع هبوب الرياح الباردة، قررا أن يقتربا من ذلك المنزل المهدم.

عندما وصلا إلى الباب الحديدي المتهالك، شعروا فجأة بشيء غريب. الهواء أصبح باردًا بشكل غير طبيعي، وكأن شيئا ما يراقبهم من الظلال. فتح سامي الباب بخوف، ودخلوا بحذر. كان الداخل مظلمًا تمامًا، لكن مروة شعرت بشيء ما في قلبها، شيء ينبئها بأنها ارتكبت خطأً.



في الداخل، كانت الجدران مغطاة بأوراق جافة، والأثاث مبعثر في كل مكان. كانت الغرف كأنها متجمدة في الزمن، مليئة برائحة العفن والقديم. ثم، فجأة، سمعا صوتًا غريبًا يأتي من الطابق العلوي، كأن شيئًا ثقيلًا كان يسحب على الأرض. نظرا لبعضهما البعض بتوتر، وتسلل الخوف إليهما.

"لا نحتاج للمزيد من هذه المغامرات"، همست مروة، لكنها كانت قد أدركت أن الباب الذي دخلا منه أغلق بشكل غير مرئي خلفهما.

حاولوا الخروج، ولكنهم اكتشفوا أن الباب مغلق. كانوا محاصرين في الداخل، وعيناهما تتأملان الظلال المتحركة على الجدران، التي أخذت شكلًا غريبًا، كأنها تتبعهم أينما ذهبوا.

ثم ظهر أمامهم في الطابق العلوي، ظل ضخم داكن، يقف ثابتًا في الضوء الخافت الذي يدخل من النوافذ المتكسرة. بدأ الظل يتحرك ببطء نحوهم، وسمعوا همسات غامضة، وكأنها تخرج من الجدران نفسها، تقول: "لم تتركوا هذا المكان أبدًا."

مروة، التي شعرت بدمائها تتجمد في عروقها، سحبت سامي بسرعة نحو الدرج الذي يؤدي إلى الطابق السفلي، ظنًا منهما أن هذا هو الطريق الوحيد للنجاة. ولكن الظل كان يلاحقهما، يقترب منهما أكثر مع كل خطوة.

عندما وصلوا إلى الطابق السفلي، اكتشفوا غرفة صغيرة مظلمة مليئة بالصور القديمة. في إحدى الصور، كانت توجد صورة لعائلة "آل الراشدي" التي اختفت بشكل غامض قبل عقود. وكان هناك شيء غريب في الصورة، عيونهم كانت مغلقة، كما لو أنهم في سبات، ولكن عيونهم كانت تبدو وكأنهم يراقبون.

"علينا أن نخرج الآن!" صرخ سامي، لكن عندما حاولوا العودة إلى الدرج، وجدوا أن الظل كان يقف أمامهم، يملأ المكان بأسره.

في تلك اللحظة، اختفى الظل فجأة، ولم يبق سوى الهواء الثقيل، وعيونهم التي لا تصدق ما شهدت.

في اليوم التالي، وجدت جثتيهما ملقاة في مكان مهدم، وكأنهما ماتا من الفزع. ومنذ ذلك اليوم، لم يجرؤ أحد على الاقتراب من منزل "آل الراشدي" مرة أخرى. لكنه كان يُقال دائمًا أن هناك ظلًا لا يرحل، يظل يراقب كل من يقترب من ذلك المكان، في انتظار الضحية التالية.

Popup

",
تمرير لأعلى وأسفل
google-playkhamsatmostaqltradent